Oleh : Muhammad Nawawi Hakim
الملخص
إن من
أسباب الجنوح والميل عن شرائع الدين وتعاليمه ودوافع الإعراض عن بعض أحكامها هو
الجهل بمقاصد الشارع وعدم العلم بحقيقتها, وهذا واقع مشاهَد ومحسوس في حياتنا
المعاصرة. وعليه جاء هذا البحث المتواضع معرِّفًا على مقاصد الشريعة والأدلة على
أهمّية المعرفة بها. ويكون المنهج في هذه الدراسة دراسة مكتبية مستخدمًا المنهج
الاستقرائي والتحليلي بالرجوع إلى الكتب اللاصقة بالموضوع. يهدف هذا البحث إلى
توعية بعض المسلمين المائلين عن الدين بمقاصد الشريعة. فقد تناول فيه الباحث تعريف
مقاصد الشريعة وبعض أقوال العلماء فيها والأدلة الشرعية على إثباتها واهتمام
الشريعة بها وأهمية العلم بها. ونتيجة البحث إن العلم بمقاصد الشريعة والمعرفة
بالأدلة الشرعية على أهميتها أمر مهم للغاية وخاصة في العصر الحديث.
الكلمة
الرأسية : مقاصد الشريعة والأدلّة
المقدمة
لا شك ولا ريب, فإن الحديث عن مقصد من مقاصد الشرع لهو من
أهمّ الحديث, وإن الكلام في بعض جوانبها ونواحيها من أمسّ الحاجة إليه, إذ به يعرف
المرء الأسرار والحكم الموجودة في كلّ مبادئ الشريعة وأحكامها التي شرعها الله
تعالى. وبالتالي سيزداد بذلك إيمانه ويرسخ به اعتقاده وتثبت به أقدامه بما جاء به
رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- من الشرائع. يقول ابن القيم: "وقع بسبب
الجهل به غلط عظيم على الشريعة, أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه. ما
يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به".[1]
ويقول شيخه ابن تيمية في معرض حديثه عن المصلحة المرسلة: "وهذا فصل عظيم
ينبغي الاهتمام به, فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم".[2]
فقد تكلّم فيها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلّم- وبعض
أصحابه من بعده, إمّا تصريحًا وإمّا تلميحًا, فكانوا أعرف الناس بها لمعايشتهم
الرسول –صلى الله عليه وسلم-.[3]
وكان السلف الصالح يعلمون أن الشريعة لم توضع ولا ينبغي أن توضع إلا لمصلحة الخلق,
لما ورد في ذلك من الآيات والأحاديث التي سيأتي ذكرها. وسلك مسلكهم من بعدهم كثير
من العلماء والفقهاء إلى عصرنا الحاضر, خاصّة المهتمّون منهم بعلم أصول الفقه, إلى
أن صار هذا العلم علمًا مستقلاً من علوم الشريعة وفنًّا من فنونها المعتبرة لا
يستغني عنه دارسو علوم الشريعة.[4]
ولمعرفة قدر هذا العلم عند العلماء, يمكن أن نلخّصه بما قاله الشَّاه وليّ الله
الدهلوي, حيث قال:
"هذا وإن أدقّ الفنون الحديثية بأسرها عندي, وأعمقها
محتدًا, وأرفعها منارًا, وأولى العلوم الشرعية عن آخرها فيما أرى, وأعلاها منزلة
وأعظمها مقدارًا, هو علم أسرار الدين, الباحث عن حِكم الأحكام ولمّياتها, وأسرار
خواص الأعمال ونكاتها, فهو –والله- أحق العلوم بأن يصرف فيه من أطاقه نفائس
الأوقات, ويتخذه عدّة لمعاده بعدما فرض عليه من الطاعات, إذ به يصير الإنسان على
بصيرة فيما جاء به الشرع."[5]
وقال الريسوني: "فالفكر المقاصدي أولاً هو الفكر المتشبع بمعرفة ما تقدم
وغيره من معاني مقاصد الشريعة وأسسها ومضامينها, من حيث الاطلاع والفهم والاستيعاب".[6]
فمعرفة مقصد من مقاصد الشرع هي إحدى الوسائل العلمية
والمهمّة في إصدار الحكم وتطبيقه عمليًّا على أرض الواقع وفق قواعد الشريعة
الغرّاء ومبادئها الجليلة من غير أن يترتّب عليه انحلال في حياة الإنسان أفرادًا
وجماعات, و كذا في تصوّرهم للأمور وفهمها على الوجه الصحيح. ولعلّ الدهلوي هو أصرح
العلماء الذين اعتبروا علم مقاصد الشريعة وأسرارها من ضمن العلوم الحديثية فيما
نعلم, وهذا إن دلّ على شيئ فهو يدلّ على دقته وتبحّره في العلوم الشرعية, إذ لا
يخفى على أحد أن الشريعة الإسلامية مصدرها الرئيسي هو الوحي, كتاب الله تعالى وسنة
رسوله -صلى الله عليه وسلّم-. ومن المعلوم أن من مهمّة النبي الأكرم -صلى الله
عليه وسلّم- نحو القرآن الكريم البيان والتوضيح تجاه الأمة فيما يوحى إليه, كما
قال تعالى: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.[7]
وعلى هذا فإن الحديث عن مقاصد الشريعة ليس مجرد حصيلة
معرفية تشبع نهمنا في فهم الشريعة وأهدافها ومراميها, وتشحن رصيدنا المعرفي بثروة
من الحكم والمقاصد العامة والخاصة, الكلية والجزئية, للشريعة الإسلامية, بل هي إلى
هذا كله تنشئ نمطًا في الفهم والتصور للأمور, وتعطي منهجًا في النظر والتفكير.[8]
ولنتعرّف على مفهوم مقاصد الشريعة بشيئٍ من التفصيل مع ذكر بعض أقوال العلماء فيها
تقريبًا للمراد, وبالله التوفيق والسداد.
المطلب الأوّل: تعريف مقاصد الشريعة لغةً واصطلاحًا
فكما جرت عادة العلماء والباحثين في الكلام عن مثل هذه
القضية وهي الابتداء بذكر المعاني اللغوية والاصطلاحية, فأبدأ هذا البحث بذكر
المعاني اللغوية والاصطلاحية اقتداءً بهم وأداءً للأمانة العلمية المعتبرة.
فإن كلمة (مقاصد الشريعة) مركب إضافي تتكون من كلمة (مقاصد)
وكلمة (الشريعة). وعبّرها بعض العلماء والباحثين بمقاصد الدين, ومقاصد التشريع,
ومقاصد الشرع, وكلّها تتجه إلى معنى واحد. ولأن هاتين الكلمتين مركب إضافيّ,
فبالتالي سنعرّف كلّ واحدة من كلتيهما تقريبًا للمعنى المراد, فالله المعين:
المقاصد لغة: جمع مَقْصَد, والمقصد: مصدر ميمي مأخوذ من
الفعل (قَصَدَ). فالأصل فيه قصدته قصدًا ومقصَدًا.[9]
وعلى هذا فإن كلمة (القصْد) وكلمة (المقْصَد) بمعنى واحد. وقد ذكر اللغويون أن
القصد يراد به عدّة معاني, كلّ على حسب موقعه في الجملة. من هذه المعاني:
- المعنى الأول: الاعتماد, والأمّ, وإتيان الشيئ, والتوجّه,
تقول: قصده, وقصد له, وقصد إليه إذا أمّه.[10]
ومنه ما قاله الصحابي الجليل جُندَب بن عبد الله البجليّ لنفر من الناس زمن فتنة
ابن الزبير, ومن مقولاته: (فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من
المسلمين قصد له وقتله, وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته..).[11]
- المعنى
الثاني: استقامة الطريق وسهولته.[12]
ومن هذا المعنى قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ
السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ.[13]
قال ابن جرير الطبري: "والقصد من الطريق المستقيم الذي
لا اعوجاج فيه".[14]
ويقول الشنقيطي: "فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء, وكل
منهما له مصداق في كتاب الله...الأول منهما: أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على
الله, أي موصلة إليه, ليست حائدة, ولا جائرة عن الوصول إليه وإليه مرضاته..الثاني:
أي عليه جلّ وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله".[15]
وبه قال الليث كما نقله الأزهري عنه.[16]
ويقال: طريق قاصد: أي سهل مستقيم.[17]
كما قال الناظم: فصدّ عن نهج الطريق القاصد.[18]
أي المستقيم. ومنه قوله تعالى: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا
مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .[19]
قال السعدي: أي قريبًا سهلاً.[20]
فهذا المعنى ينبئنا بأن أي مقصد من مقاصد الشريعة صغيرًا
كان أم كبيرًا, عامّا كان أو خاصّا, عرفه الإنسان أم لم يعرفه, فإنه مؤدّ إلى
الطريق المستقيم ومفض إلى السبيل السوي في الاعتقاد والعمل معًا, لأنه من عند الله
الحكيم الخبير العليم بمصالح عباده ومضارهم.
- المعنى الثالث: العدل والتوسط وعدم الإفراط.[21]
فوروده بهذا المعنى كثير جدًّا في نصوص الكتاب والسنة. ومنه
قوله تعالى حكاية عن وصية لقمان لابنه: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ إِنَّ
أَنكَرَالأَصْوَاتِ لَصَوتُ الحَمِيرِ.[22]
يؤكد هذا ما قاله الزمخشري في تفسيره لهذه الآية: واعدل فيه
حتى يكون مشيًا بين مشيين لا تدبّ دبيب المتماوتين ولا تثب وثيب الشطار.[23]
وكذا قول القرطبي في نفس الآية: أي توسّط فيه.[24]
وما قاله ابن كثير: أي امش مشيًا مقتصدًا ليس بالبطيئ المتثبط ولا بالسريع المفرط,
بل عدلاً وسطًا بينَ بينَ.[25]
ويقول الرسول الكريم –عليه الصلاة والسلام-: "الأناة من الله, والعجلة من
الشيطان".[26] يقول ابن
القيم مومئًا (أي مشيرًا) إلى معنى هذا الحديث: "ولهذا كانت العجلة من
الشيطان, فإنها خفة وطيش, وحدّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم, وتوجب
له وضع الأشياء في غير موضعها, وتجلب عليه أنواعًا من الشرور, وتمنعه أنواعًا من
الخير, وهي قرين الندامة, فقلّ من استعجل إلا ندم".[27]
وهذا كلام حقّ ومتين يشهده العقل والواقع.
وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه من كتاب الرقاق "باب
القصد والمداومة على العمل". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني معلّقًا عليه: (باب
القَصْد) بفتح القاف وسكون المهملة, هو سلوك الطريق المعتدلة.[28]
ومن الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب, قوله -صلى الله عليه وسلم-: (..القصدَ
القصدَ تبلغوا).[29] قال ابن
حجر: أي الزموا الطريق الوسط المعتدل.[30]
وما أحسن ما وصّى به طاهر بن الحسين ابنه عبد الله في كتاب عهد إليه, إذ قال فيه:
"وعليك بالاقتصاد في الأمور كلّها, فليس شيئ أبين نفعًا, ولاأخصّ أمنًا, ولا
أجمع فضلاً منه. والقصد داعية إلى الرشد, والرشد دليل على التوفيق, والتوفيق قائد
إلى السعادة. وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد, فآثره في دينك كلّها".[31]
ومن هذا المعنى أيضًا, ما ورد عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: (كنت أصلي
مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصْدًا وخطبته قصْدًا).[32]
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق.[33]
فهذا المفهوم لاصق جدًّا بالشريعة الإسلامية التي من خصائصها
ومميّزاتها الظاهرة في التشريع أنها مبنية على نسخ الآصار والأغلال التي حملتها
الأمم السابقة عبر القرون, وأنها مزاج من ملائمة الفطرة ومراعاة الطاقة البشرية
وحماية المصالح المرجوة, والتي كانت تكاليفها قليلة ميسورة بالنسبة للإنسان, وأن
تشريعاتها مفرّقة ومنجّمة, لا إفراط فيها ولا تفريط, بل هي كلّها وسط كما أن هذه
الأمة أمة وسط.
-وأما
كلمة الشريعة في اللغة: فمشرعة الماء وهي مورد الشاربة.[34]
وهي تطلق على معاني, منها: الدين, والملة, والمنهاج, والطريقة, والهدى, والسنة. ومنها
قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[35]
قال الشوكاني في هذه الآية: الشريعة في اللغة المذهب,
والملة والمنهاج, ويقال: لمشرعة الماء وهي مورد شاربيه شريعة, ومنه الشارع لأنه
طريق إلى المقصد.[36] وقال الراغب
الأصفهاني: الشرع: نهج الطريق الواضح, يقال شرعت له طريقًا, والشرع مصدر ثمّ جُعل
اسمًا للطريق النهج فقيل له شِرع وشَرع وشريعة واستعير ذلك للطريقة الإلهية.[37]
وقال ابن عبّاس: أي على هدى من الأمر, وجنح قتادة إلى أن الشريعة في هذه الآية
بمعنى الأمر والنهي والحدود والفرائض, وفسّرها مقاتل بالبيّنة لأنها طريق إلى
الحقّ, ومال الكلبي إلى أنها بمعنى السنة لأنه يستن بطريقة من قبله من الأنبياء,
وذهب ابن زيد إلى أن الشريعة في هذه الآية بمعنى الدين لأنه طريق النجاة.[38]
وعلى كلّ, فإن هذه
المعاني تتجه إلى معنى واحد, وهو ما شرعه الله -تعالى- من الأحكام التي بإقامتها
وتنفيذها يسعد الإنسان في دنياهم وأخراهم. ولا تعارض بين هذه المعاني المختلفة, إذ
هي تؤيّد بعضها البعض أو يفسر أحدها الأخرى.
وفي الاصطلاح: هي الإئتمار بالتزام العبودية, وقيل:
الشريعة هي الطريق في الدين.[39]
ومنها قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها),
يقول الشوكاني: فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين, والجمع شرائع:
أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق (فاتّبعها) فاعمل
بأحكامها في أمتك.[40]
وقال ابن تيمية: اسم الشريعة والشرع والشرعة فإنه ينتظم كل ما شرعه الله من
العقائد والأعمال.[41]
وعلى كونها بمعنى السنة, قال: والسنة كالشريعة, هي ما سنه الرسول وما شرعه, فقد
يراد به ما سنه وما شرعه من العقائد, وقد يراد به ما سنه وشرعه من العمل, وقد يراد
به كلاهما. فلفظ السنة يقع على معان كلفظ الشرعة.[42]
ويقول ابن الأثير: الشرع والشريعة هو ما شرعه الله لعباده من الدين, أي ما سنّه
لهم, وافترضه عليهم.[43]
ومنه قوله تعالى: (شرعةً ومنهاجًا). قال القنوجي: الشرعة والشريعة في الأصل
الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى الماء ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من
الدين, والمنهاج الطريقة الواضحة البينة.[44]
والتحقيق أن الشريعة هي كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله
عليه وسلم-, وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال,
والسياسات والأحكام, والولايات والعطيات.[45]
ويؤكد هذا المفهوم أن الأحكام في القرآن الكريم جاءت مرتبطة بمسائل العقيدة مثل
الإيمان بالله واليوم الآخر والعقاب الأخروي على المخالف لها. والحكمة في ذلك كي
يتذكر الإنسان بأن هذه الأحكام من عند الله العليم الخبير, تجب طاعته ولا يملك أحد
تغييره, حتى ينجو من العذاب الأليم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم.[46]
وعلى هذا فإن الشريعة عامة دخلت فيها الأمور العقائدية والأعمال البدنية معًا,
وليست مقصورة على ما يتعلق بالأمور الفقهية كما قد يتوهمها غير قليل من الناس.
والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة الشريعة
هو حصول المنفعة في كلّ, وذلك لأن الشرعة والشريعة هي الطريقة إلى الماء, شبه بها
الدين لكونه سبيلاً موصلاً إلى ما هو سبب للحياة الأبدية كما أن الماء سبب للحياة
الفانية. وقيل لأنه طريق إلى العمل الذي يطهّر العامل عن الأوساخ المعنوية, كما أن
الشريعة طريق إلى الماء الذي يطهّر مستعمله عن الأوساخ الحسّية. فشريعة الماء فيها
حياة الأبدان, وشريعة الله فيها حياة الأرواح وطهارة الوجدان, وسعادة الإنسان دنيا
ودينا.[47]
- المطلب الثاني: الأدلة على اهتمام الشريعة بالمقاصد
إن في استقراء آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نجدها
تحتوي على علل وأهداف ظاهرة وعوامل منصوصة تدلّ على مقاصد الشارع في تشريعاته
وتهدف إليها. وهذه العلل والحِكم كثيرًا ما يعبّرها العلماء بالمصلحة,[48]
وهي جلب منفعة ودفع مضرة عن العباد, وتطهير المجتمع من المفاسد, وتحقيق الأمن
والأمان والطمأنينة والاستقرار, حتى يقوم الناس بوظيفة الخلافة في الأرض, وعبادة
الله وحده لا شريك له. وقبل الشروع في ذكر الأدلة والشواهد على إثبات المقاصد واهتمام
الشريعة بها, حريّ بنا أن نذكر أولاً أقوال بعض الأئمة في ذلك.
قال العزّ بن عبد السلام: "فكلّ مأمور به ففيه مصلحة
الدارين أو أحدهما, وكلّ منهي عنه ففيه مفسدة فيهما أو في أحدهما". وقال أيضًا:
"معظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها, والزجر عن اكتساب
المفاسد وأسبابها".[49]
ويقول ابن تيمية: "والقول الجامع أن الشريعة لا تهمل مصلحةً قط, بل الله -تعالى-
قد أكمل لنا الدين وأتمّ النعمة. فما من شيئ يقرّب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به
النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ
عنها بعده إلا هالك".[50]
وقال ابن القيم: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في
المعاش والمعاد, وهي عدل كلها, ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها. فكلّ مسألة
خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة, وعن
الحكمة إلى العبث, فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل".[51]
وقد أطنب الطوفي وأسهب في توضيح هذا الموضوع المهمّ, وفي إثباته بالأدلّة الواضحة.
ومن المستحسن أن ننقل كلامه في هذا المقام لأهمّيته, قال –رحمه الله-: "وأما
بيان اهتمام الشرع بها (أي المصلحة) فمن جهة الإجمال والتفصيل. أمّا الإجمال فقوله
عز وجلّ:
" ".[52]
ودلالتهما من وجوه:
أحدها: قوله عزّ وجلّ (قد جاءتكم موعظة) حيث اهتمّ بوعظهم, وفيه
أكبر مصالحهم, إذ في الوعظ كفّهم عن الردى, وإرشادهم إلى الهدى. الوجه الثاني:
وصف القرآن بأنه شفاء لما في الصدور, يعني من شك ونحوه, وهو مصلحة عظيمة. الوجه
الثالث: وصفه بالهدى. الوجه الرابع: وصفه بالرحمة, وفي الهدى والرحمة
غاية المصلحة. الوجه الخامس: إضافة ذلك إلى فضل الله ورحمته, ولا يصدر
عنهما إلا مصلحة عظيمة. الوجه السادس: أمره إيّاهم بالفرح بذلك. فقوله عز
وجلّ (فبذلك فليفرحوا) هو في معنى التهنئة لهم. والفرح والتهنئة إنما يكونان
لمصلحة عظيمة. الوجه السابع: قوله عز وجلّ (هو خير ممّا يجمعون), والذي
يجمعونه من مصالحهم, فالقرآن ونفعه أصلح من مصالحهم, والأصلح من المصلحة غاية
المصلحة. ثم قال: فهذه سبعة أوجه من هذه الآيات تدلّ على أن الشرع راعى مصلحة
المكلّفين واهتمّ بها, ولو استقرأت النصوص لوجدت على ذلك أدلّة كثيرة".[53]
ويقول الشاطبي: "أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد
في العاجل والآجل معًا". وقال في موضع آخر: "والمعتمد إنما هو أنّا
استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد".[54]
ويقول ابن خلدون مصرّحًا: "إن الأحكام الشرعية كلها لا بدّ لها من مقاصد
وحِكم تشتمل عليها, وتُشرع لأجلها".[55]
وبعد توضيحه وبيانه عن شرعية الخلافة ومهمّتها قال: "وإذا نظرت سرّ الله -تعالى-
في الخلافة لم تَعْد هذا, لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائبًا عنه في القيام
بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردّهم عن مضارهم".[56]
ويقول الدهلوي: "إذ المقصود الأصلي من شرع الأحكام هي المصالح".[57]
وممّا ينبغي التنبيه إليه في هذا الصدد أن
المصالح التي راعاها الشارع فى الدنيا والآخرة في رتب متفاوتة, ولم تكن على درجة
واحدة, فمنها ما هو أعلاها, ومنها ما هو في أدناها, ومنها ما يتوسط بينهما. كما
أنها منقسمة إلى ما هي متفق عليها ومختلف فيها. وهذا التفاوت في الرتبة والدرجة
يترتب عليه تفاوت الثواب في الآخرة. كما أنه لا نسبة بمصالح الدنيا ومفاسدها إلى
مصالح الآخرة ومفاسدها.[58]
وهي عائدة على العباد بحسب أمر الشارع, وعلى الحدّ الذي حدّه, لا على مقتضى أهواء
الناس وشهواتهم.[59] فالشرع
هو المعيار الصحيح والميزان النزيه في إثبات المصالح, لا العواطف الجيّاشة ولا الأهواء
الفتّاكة.
وبعد هذا كله لنعرض بعض النصوص الشرعية الدالة
على ذلك:
-
من القرآن الكريم:
فقد عبّر الله تعالى في إثبات المقاصد بطرق متعددة وأساليب
متنوعة, منها: وصف الله نفسه بأنه حكيم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم الدال على
أن شرائعه وما فيها من الأحكام مقصودة, ولم يكن عبثًا لا جدوى فيه ولا نفع, إذ
الحكيم هو الذي يضع الشيئ في محلّه اللائق به. وكذلك إخبار الله تعالى عن نفسه
بأنه رحيم, وذلك في أكثر من موضع, كما في قوله تعالى عن رحمته الواسعة لجميع
الخلق:
وذلك لا يتحقق إلا بأن يقصد رحمة خلقه بما خلقه
لهم, وبما أمرهم به وشرعه لهم, فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة
وإرادة الإحسان إلى عباده لما كانت رحمة, ولو حصلت بها الرحمة اتفاقًا.[61]
وقوله تعالى في وصفه رسولنا الكريم -صلى الله
عليه وسلم- بأنه رحمة:
قال القنّوجي: (وما أرسلناك) يا محمد بالشرائع والأحكام
(إلا رحمة للعالمين) أي من الإنس والجنّ, والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والعلل:
أي ما أرسلناك لعلّة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة, فإن ما بعثت به سبب لسعادة
الدارين.[63] ولا
يكون الرسول رحمة للعالمين إلا إذا كانت شريعته محققة لمصالحهم.[64]
لذلك ما أمر أمرًا جاء فيه بالطلب أو المنع إلا كان فيه جلب منفعة أو دفع مضرة,
وفي طلبه ومنعه رحمة بالناس.[65] وكذا قوله تعالى:
وكذا الآيات التي أخبر الله تعالى فيها أنه شرع
كذا وكذا لأجل كذا وكذا, وهي كثيرة لا تحصى. وهي الغالبة في هذا الباب, وهي عمدة
كثير من مقاصد الشريعة العامة والخاصة.[67]
وذلك مثل قوله جل وعلا:
" ".[68]
فوظيفة الرسل هي البيان
والتوضيح عن شرائع الله -تعالى- وتعليم ما لم يكن يعلمه الإنسان من أحكامه لقصور
القوى البشرية عن إدراك جزئيات المصالح، وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها. فالآية
ظاهرة في أنه لا بد من الشرع وإرسال الرسل, وأن العقل لا يغني عن ذلك.[69] كما
أنها تفيد أن الله -تعالى- لا يعذب خلقه إلا إذا تمرّد عن شريعته بعد أن بلغتهم
الحجة الرسالية ووصلت إليهم الدعوة الإلهية, إذ هو العادل المطلق الذي لا يظلم أحدًا
من خلقه, وما ربنا بظلام للعبيد. وكذا قوله
تعالى:
هذا المقصد عام في جميع الرسالات السماوية.[71]
وهي الغاية التي خلق الله الجن والإنس لأجلها، وبعث جميع الرسل يدعون
إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه،
والإعراض عما سواه.[72] ويؤكّدها قوله -تعالى- بعد هذه الآية مباشرة:
وهي تفيد بيان استغناء الله -تعالى- عن عباده
وأنه لا يريد منهم منفعة, كما يريده السادة من عبيدهم, بل هوالغني المطلق الرازق
المعطي. فأمره -تعالى- إحسانًا منه ونعمةً أنعم بها على عباده, لذلك كان أمره
مرتبطًا بما فيه صلاح العباد, كما أن نهيه -تعالى- لما في ذلك من الفساد قد لا
يعلمه الإنسان.[74] فالله -تعالى-
لا يجب عليه جلب مصالح الحسن, ولا درء مفاسد القبيح, كما لا يجب عليه خلق ورزق ولا
تكليف ولا إثابة ولا عقوبة, وإنما يجلب مصالح الحسن ويدرأ مفاسد القبيح طولاً منه
على عباده وتفضلاً.[75]
وعلى هذا, فالتكاليف كلها راجعة إلى مصالح
العباد في دنياهم وأخراهم, والله غني عن عبادة الكلّ, ولا تنفعه طاعة الطائعين,
ولا تضره معصية العاصين, بل لو كانوا كلهم على أفجر قلب رجل واحد منهم لم ينقص ذلك
من ملكه شيئًا, ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل واحد منهم لم يزد ذلك في ملكه شيئًا.[76]
كما صح ذلك عن نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-.
وينبغي أن يعلم المرء أن المطلوب في التكاليف
كلها حصول ملكية راسخة في نفس الإنسان, ينشأ عنها علم اضطراريّ للنفس, هو توحيد
الله تعالى, وهو العقيدة الإيمانية, الذي تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة, وهذا
الهدف مقصود في التكاليف القلبية والبدنية معًا.[77]
وفي مبدأ رفع الحرج في التشريع, يقول الله عز
وجلّ:
وقد نقل الشاطبي إجماع العلماء على رفع الحرج
في الشريعة, وقال: "الإجماع على عدم وقوعه (أي الحرج) وجودًا في التكليف, وهو
يدلّ على قصد الشارع إليه".[79]
ممّا يؤكّد لنا على وجود المقاصد من وراء الأحكام ومبادئ الشريعة. وقوله عزّ من
قائل في مبدأ التيسير:
قال القنوجي في هذه الآية: "وفيه أن هذا
مقصد من مقاصد الربّ -سبحانه- ومراد من مراداته في جميع أمور الدين".[81]
وإذا كان التشديد مفضيًا إلى الغلوّ وتشويه الدين الحقّ, وإهدار مصالح الخلق كما
هو مشاهد في كثير من الأحيان, فإن التيسير بخلافه مفض إلى الاعتدال تديّناً
وسلوكًا ومنهجًا.[82] وكذا قوله
جلّ شأنه في كون التكليف على قدر الطاقة والاستطاعة:
هذه الآية تنبئنا بأن التكاليف التي تفرض على
الناس, لا يقصد به قصم ظهورهم, ولا تسجيل العجز عليهم ولا إرهاقهم, حتى يصبح الدين
امتحانًا, والعقيدة مصابًا. وإنما قصد بها إسعادهم, وتثبيت أقدامهم على طريق
الخير, والأخذ بأيديهم في طريق التقدّم والتطوّر, وتحبيب الفضائل, وتقبيح الرذائل
لديهم.[84]
وأمّا الآيات الدالة على المقاصد الخاصة المتعلقة ببعض العبادات الجزئية فكثيرة لا
تكاد تعدّ ولا تحصى. ففي الصلاة قوله تعالى:
وقوله -تعالى- أيضا في شأن الصلاة:
وفي أمره
بالزكاة, يقول جلّ وعلا:
وفي شريعة الصوم يقول تعالى:
" ".[88]
وفى الحجّ قوله تعالى:
" ".[89] وغيرها.
فكلّ هذه الآيات الكريمات تدلّل على أن لله سبحانه
مقاصد وأغراضًا في تشريعاته, عامة كانت أو خاصة, كلية كانت أو جزئية, يعلمها
الإنسان أو لم يعلمها.
- الأدلة من السنة النبوية:
وأما الأدلة من الأحاديث النبوية الشريفة في إثبات المقاصد
واهتمام الشارع بها, فمنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار).[90]
يقول الطوفي في هذا الحديث: "يقتضي رعاية المصالح إثباتًا والمفاسد نفيًا, إذ
الضرر هو المفسدة, فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة, لأنهما
نقيضان لا واسطة بينهما".[91]
ويقول ابن رجب الحنبلي: "فالمعنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع".[92]
وقال في موضع آخر: "ومما يدخل في عموم قوله -صلى الله عليه وسلم- (لاضرر), أن
الله لم يكلّف عباده فعل ما يضرّهم البتة, فإن ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم
ودنياهم, وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ودنياهم".[93]
و كذا قوله -صلى الله عليه وسلم- للمغيرة بن شعبة, وقد خطب امرأة لم يرها: (انظر
إليها, فإنه أحرى أن يؤدم بينكما).[94]
قال السيوطي: أي يكون بينكما المحبة والاتفاق.[95]
وقوله -عليه الصلاة والسلام- في تعليل الأمر بالاستئذان قبل الدخول كما في صحيح
مسلم: (إنما جعل الإذن من أجل البصر).[96]
وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في زيارة القبور عند صحيح مسلم: (استأذنت ربّي
–عزّوجلّ- في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي, واستأذنته في أن أزور قبرها, فأذن لي,
فزوروا القبور, فإنها تذكّر الموت).[97]
وقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحضّ على النكاح لمن هو قادر على المؤنة: (يا
معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, فإن لم
يستطع, فعليه بالصوم, فإنه له وجاء).[98]
وغيرها من الأحاديث الكثيرة.
فهذه الأحاديث النبوية الشريفة كلّها تدلّل على
ما فيها من المقاصد واعتناء الشريعة بها.
- الأدلة العقلية
ونضيف إلى هذه الأدلّة النقلية أدلّة عقلية مع اعتقادنا أن
النقل يغنينا عنها:
قرّر ابن خلدون بأن العقائد الإيمانية معلّلة
بالأدلة العقلية.[99] ومعلوم
أن الأمور الاعتقادية جزء لايتجزّأ عن الشريعة الغرّاء بل هي أسّها. وبما أن
الأمور الاعتقادية مثل البعث والنشور وغيرها يمكن تعليلها بالأدلّة العقلية,[100]
فمبادئ الشريعة والأحكام المتعلقة بالأعمال البدنية أحرى وأجدر بأن تعلّل بالأدلّة
العقلية. قال العزّ بن عبد السلام: "ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف
بالعقل, وذلك معظم الشرائع, إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح
المحضة, ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن, وأن تقديم أرجح
المصالح فأرجحها محمود حسن, وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن..إلى أن قال:
واتفق الحكماء على ذلك".[101]
ومن المعلوم لدى عقلاء الناس أن ما من نظام من
الأنظمة التي قرّرها أفراد أو جماعات أو مؤسّسات إلا ولها أهدافها المقصودة
وأغراضها المنشودة, بغضّ النظر عن كون هذه الأنظمة توافق الشريعة أو تخالفها, أهمّ
شيئ أنها تُنشأ لمصالح من سيكون تحت هذه الأنظمة من القائمين بها والمنفذين لها.
فلا يمكن أن تكون الشريعة التي شرعها الله -تعالى- التي هي أعظم الأنظمة قدرًا
ورفعةً لحياة الإنسان عبثًا لا هدف فيها ولا غرض.[102]
قال تعالى:
" ".[103]
والعبث هو السفه, والسفه صفة نقص, والنقص على
الله -تعالى- محال, فثبت أنه لا بد من مصلحة, وتلك المصلحة يمتنع عودها إلى الله -تعالى-,
فلا بد من عودها إلى العبد, فثبت أن الله -سبحانه تعالى- شرع الأحكام لمصالح
العباد.[104] وأيضًا,
علمنا أن الله يقرّر في أكثر من موضع من كتابه الكريم أنه سخّر لنا ما في السموات
وما في الأرض, كما في قوله:
وقوله جلّ شأنه:
قال السعدي: وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن
الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة, لأنها سيقت في معرض الامتنان, يخرج بذلك
الخبائث, فإن تحريمها أيضًا يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها
لنفعها, فما فيه من ضرر, فهو خارج من ذلك. ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث,
تنزيهًا لنا.[107]
وعلى هذا فمن المحال أن يراعي الله مصلحة خلقه
في مبدئهم ومعادهم ومعاشهم, ثم يهمل مصلحتهم في الأحكام الشرعية, إذ هي أعم, فكانت
بالمراعاة أولى, ولأنها أيضًا من مصلحة معاشهم, إذ بها صيانة أموالهم ودمائهم
وأعراضهم ولا معاش بدونها, فوجب القول بأنه راعاها لهم.[108]
ومع هذا كله لا بدّ من الاعتراف بقصور العقل وعجزه في معرفة كثير من أسرار الشريعة
ومقاصد أحكامها ومبادئها, كلية كانت أو جزئية, عامة كانت أو خاصة. ونقول في هذا
كما قال ابن القيم من قبل: "وشرع الرب تعالى وحكمته فوق عقولنا
وعباراتنا".[109]
وكما عبره الدهلوي بقوله: "ولكون النبي -صلى الله عليه وسلّم- أوثق عندنا من
عقولنا".[110]
وقديمًا قيل: عدم العلم بكنه الشيئ لا يعني عدمه.
فعلى المرء المسلم أن يتّهم عقله وإدراكه
ومدركاته في الحصر والقصور, ويتبع ما أمر الشارع به في الاعتقاد والعمل, فالله
-تعالى- أحرص على سعادة الإنسان, وأعلم بما ينفعه في الدنيا والآخرة, لأن بعض
الأحكام من طور فوق إدراك الإنسان, ومن نطاق أوسع من نطاق عقله.[111]
لا أن يحاول إكراه عقله وإعماله فوق قدرته وطاقته في معرفة ما وراء الحواس من
المقاصد, ويتجاوز بسببه الحدّ الذي خُلق العقل لأجله, إذ التعمّق فيه قد يجرّ إلى
الانحراف ويفضي إلى الانحلال بل وإلى الكفر والإلحاد, أو كما عبره الشاطبي
"فإنه ربما جمحت النفس إلى طلب ما لا يطلب منها, فوقعت في ظلمة لا انفكاك لها
منها".[112] قال
ابن تيمية: "لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به, فأحد
الأمرين لازم له, إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظم أو أنه ليس
بمصلحة, وإن اعتقده مصلحة. لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة".[113]
فالواقع شاهد على ذلك, والتاريخ سطر لنا الكثير ممّا وصل إليه المغترون بعقولهم.
صدق القائل -بعد أن غاص في الإلهيات وتعمّق فيها بالعقل وعاد إلى رشده- حينما قال:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا[114]
فالعقل لا بدّ أن يكون تابعًا للنصوص الشرعية
لا حاكمًا عليها. فوظيفته محدودة في التفكير والتفهم على النصوص وليس لها أن
تُحكّم فيما لا ينبغي أن تتحكّم فيها. وإلا فالنصوص الشرعية من القرآن الكريم
والأحاديث النبوية الصحيحة توافق العقول السليمة الصريحة ولا تعارضها بحال من
الأحوال كما حققها المحقّقون من العلماء. كما أن العقل نفسه متفاوت بين شخص وآخر
بل وبين حين وآخر, فقد يكون الرجل الواحد في غاية من الدقّة في تفكير بعض الأمور
وتحليل المشاكل المعروضة وحلّها في وقت قصير, في حين لا يقدر على حلّ جزء يسير
منها إلا بعد التأمل العميق والتفكير الدقيق يستغرق ساعات من الزمان. وأيضًا
اختلاف ميول الإنسان في تخصّصاتهم ومحنهم يدلنا بوضوح على قصوره وعجزه. فالمتخصّص
البارع في الطبّ ما استطاع أن يُعمِل عقله في غير تخصّصه, ونقيس على ذلك في
المهندس وغيره, هكذا سُنَن الله –تعالى- في خلقه.
- دليل الفطرة
وكذلك الفطرة التي فطر عليها الناس, فإنها تميل إلى تحقيق
المصلحة ودفع المضرة بكل السبل وكافة الطرق. فما من إنسان يسير على فطرته إلا وهو
سائر على المنهج السوي والطريق المستقيم. فكلّ سبيل وكلّ طريق مائل عن الفطرة فهو
إلى الهلاك أقرب, وعن النجاة أبعد. يقول العز بن عبد السلام: "واعلم أن تقديم
الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظرًا لهم من رب
الأرباب".[115]
ويقول ابن أبي العزّ الحنفي: "أنه (أي الإنسان) مفطور على جلب المنافع ودفع
المضار بحسّه".[116]
وممّا مضى يمكننا التعرّض لتعريف مقاصد الشريعة
الإصطلاحي.
-
التعريف الإصطلاحي لمقاصد الشريعة
فقد نبّه بعض الباحثين المهتمّين بهذا الموضوع
أن العلماء القدامى لم يكن عندهم تعريف خاص بمقاصد الشريعة.[117]
وحتى العلماء الذين اشتهروا بخوضهم في هذا الميدان أمثال الجويني والغزالي وابن
تيمية وابن القيم, إلا أنهم تعرّضوا فقط إلى التنصيص على بعض مقاصد الشريعة سواء أكانت
عامة أم خاصّة. وبما أن الإمام الشاطبي هو شيخ المقاصد –على تعبير الريسوني-,[118]
الذي كان له الباع الطويل في الحديث عن هذا الموضوع, وهو أول من قام بتفريع هذا
العلم وتنسيقه وتحرير مسائله على ما هو عليه اليوم. فحريّ بأن يكون اهتمام الباحثين
به وبكلامه في هذا الشأن أكثر من اهتمامهم بغيره. حتى إن البعض الذين رأوا أن
الشاطبي لم يعرّف مفهوم مقاصد الشريعة حاولوا تعليل ذلك بعدّة علل. فالريسوني علّل
ذلك بأنه اعتبر الأمر واضحًا ولكونه كتب كتابه للعلماء والراسخين في علوم الشريعة.[119]
بينما الدكتور اليوبي يرى ذلك لأن الشاطبي كان ينهج منهجًا خاصًّا في الحدود ولا
يرى الإغراق في تفاصيل الحدود, بل إنه يرى أن التعريف يحصل بالتقريب للمخاطب.[120]وقد
اعترض أحد الباحثين وهو الدكتور عزّ الدين بن زغيبة على ما ذهب إليه الريسوني
واليوبي وغيرهما من الباحثين بأن ليس ثَمّة تعريفًا لمقاصد الشريعة عند الشاطبي.
وقرّر أن الشاطبي ذكر تعريف المقاصد في موضعين. الأول: في قوله: (إن الشارع قد قصد
بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية, وذلك على وجه لا يختلّ لها به نظام,
لا بحسب الكلّ ولا بحسب الجزء). وذكر في تعريف الشاطبي لمقاصد المكلّف: (المقصد
الشرعي من وضع الشريعة: إخراج المكلّف من داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارًا
كما هو عبدًا لله اضطرارًا).[121]
وذهب إلى هذا من قبله الدكتور جمال الدين محمد عطية, إلاّ أنه لم يصرّح.[122]
ولكن يبدو أن هذا الاعتراض ليس في محلّه, لأن
الريسوني واليوبي وغيرهما من الباحثين لم ينكروا أن الشاطبي قرّر للتشريع مقاصدًا
وأهدافًا تتمثل بالمصالح الأخروية والدنيوية, وإنما لم يثبتوا أن للشاطبي تعريفًا
خاصًا لمقاصد الشريعة كما هو عادة العلماء في الحديث عن مثل هذا الموضوع. وكلتا
العبارتين المذكورتين اللتين استدلّ بهما الدكتور عز الدين في اعتراضه على ما ذهب
إليه الريسوني وغيره ليستا تعريفين, وإنما تنصيص على أن للشريعة مقاصد وأهدافًا من
ورائها, ولا بدّ من التفريق بينهما. وإلا فالريسوني نفسه نقل بعض عبارات الشاطبي
تشبههما في أكثر من موضع.[123]
وقد حاول بعض العلماء والباحثين المعاصرين
تقديم بعض التعاريف لهذا العلم, نذكر بعضًا منها واحدًا تلو واحد:
نبدأ بابن عاشور الذي يعتبر محييًا لهذا العلم
ومقيّدًا له في العصر الحديث, فقد فرّق -رحمه الله- بين مقاصد الشريعة العامة
ومقاصد الشريعة الخاصة, وذكر في تعريفه للمقاصد العامة: هي المعاني والحكم
الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها, بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون
في نوع خاص من أحكام الشريعة, فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني
التي لا تخلو التشريع عن ملاحظتها, ويدخل في هذا أيضًا معان من الحكم ليست ملحوظة
في سائر أنواع الأحكام, ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها.[124]
بينما في تعريفه لمقاصد الشريعة الخاصة, قال: الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق
مقاصد الناس النافعة, أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة, كي لا يعود
سعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أُسّس لهم من تحصيل مصالحهم العامة. ويدخل في
ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس, مثل: قصد التوثق في عقد الرهن,
وإقامة نظام المنزل والعائلة في عقد النكاح, ودفع الضرر المستدام في مشروعية
الطلاق.[125]
وعند علال الفاسي: المراد بمقاصد الشريعة
–العامة والخاصة منها-: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من
أحكامها.[126] وفي
تعريفه للمقاصد العامة, قال: المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ
نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها, وقيامهم بما كلفوا به
من عدل واستقامة, ومن صلاح في العقل وفي العمل, وإصلاح في الأرض, واستنباط
لخيراتها, وتدبير لمنافع الجميع.[127]
وعرّف الريسوني مقاصد الشريعة بقوله: هي التي تراعيها الشريعة وتعمل على تحقيقها
في كلّ أبوابها التشريعية, أو في كثير منها.[128]
وفي تعريفه للمقاصد العامة قال: الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها, لمصالح
العباد.[129] بينما
اليوبي عرّف المقاصد بقوله: المقاصد هي المعاني والحِكم ونحوها التي راعاها الشارع
في التشريع عمومًا وخصوصًا, من أجل تحقيق مصالح العباد.[130]
يتضح لنا من كلّ هذه التعاريف أن مردّها واحد,
وهو الغايات والأسرار الموجودة والمقصودة التي وضعت الشريعة ومبادؤها لأجل
تحقيقها, لمصلحة العباد.
الخلاصة:
وبعد استعراض التعاريف اللغوية لمقاصد الشريعة
والأدلة عليها من القرآن الكريم والسنة النبوية والإستشهاد ببعض أقوال العلماء في
أهميتها وسرد التعاريف من بعض العلماء المعاصرين لها تتبين لنا أهمية الموضوع
ومعرفته لكل دارسي علوم الشريعة الغراء بل ولكل المسلمين كافة.
المصادر
والمراجع:
القرآن
الكريم.
إبراهيم البيوني غانم وآخرون, 2007م, مقاصد
الشريعة وقضايا العصر, لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي.
أحمد الريسوني,2008م, الفكر المقاصدي؛ قواعده وفوائده, ط2, بيروت:
دار الهادي.
أحمد الريسوني, 1992م, نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي, ط2, الرياض:
الدار العالمية للكتاب الإسلامي.
الآلوسي.
شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني, روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع
المثاني, بيروت: دار إحياء التراث العربي, بدون تاريخ.
الأزهري.
أبو منصور محمد بن أحمد, 2001م, تهذيب اللغة, بيروت: دار المعرفة, تحقيق: د. رياض
زكي قاسم.
الأصفهاني.
الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضّل, 1997م, معجم مفردات ألفاظ القرآن,
ضبط وتصحيح وتخريج: إبراهيم شمس الدين.
ابن
أبي العز الحنفي. علي بن علي بن محمد, 1391هـ, شرح العقيدة الطحاوية, ط4, بيروت:
المكتب الإسلامي, تحقيق ومراجعة: لجنة من العلماء, تخريج: محمد ناصر الدين
الألباني.
الترمذي.
أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة, 1999م, سنن الترمذي, القاهرة: دار الحديث, تحقيق:
د. مصطفى حسين الذهبي.
ابن
تيمية. أحمد بن عبد الحليم, 1381هـ, مجموع الفتاوى, جدة: مطبعة الرياض, جمع
وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وولده محمد.
حسين
علي المصطفى, 2008م, فلسفة العبادات, ط2, بيروت: دار الهادي.
ابن
حمزة الحسيني. الشريف إبراهيم بن محمد بن كمال الدين, 1982م, البيان والتعريف في
أسباب ورود الحديث الشريف, بيروت: المكتبة العلمية.
ابن
خلدون. عبد الرحمن بن محمد بن محمد, 2003م, المقدمة, ط8, بيروت: دار الكتب
العلمية.
ابن
رجب الحنبلي. 2000م, جامع العلوم والحكم, ط2, بيروت: مؤسسة الريان, تحقيق: فؤاد بن
علي حافظ.
الدّهلوي.
الشاه وليّ الله أحمد بن عبد الرحيم, 1995م, حجة الله البالغة, بيروت: دار الكتب
العلمية, تحقيق: محمد سالم هاشم.
الرازي.
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر, مختار الصحاح, دار المنار, دراسة وتقديم: الدكتور
عبد الفتاح البركاوي. بدون سنة.
الزرقاني.
محمد عبد العظيم, 1998م, مناهل العرفان في علوم القرآن, دار قتيبة, تحقيق وتخريج
وتعليق: د. بديع السيد اللحّام.
السعدي.
عبد الرحمن بن ناصر, 2000م, تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان, بيروت:
مؤسسة الرسالة, تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق.
السيوطي.
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد, الإتقان في علوم القرآن, القاهرة:
مكتبة دار التراث, تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, بدون تاريخ.
الشاطبي.
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي, 1421هـ, الموافقات في أصول الشريعة, الأردن:
دار ابن عفّان, تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان.
الشنقيطي.
محمد بن الأمين, 1426هـ, أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, مكة المكرمة: دار
عالم الفوائد, إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد.
الشوكاني.
محمد بن علي, 1991م, فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير,
دمشق: دار الخير.
الطبري,
أبو جعفر محمد بن جرير, 2005م, جامع البيان عن تأويل آي القرآن, القاهرة: دار
السلام, تحقيق: أحمد عبد الرزاق البكري, محمد عادل محمد, محمد عبد اللطيف خلف,
ومحمود مرسي عبد الحميد.
عبد
القادر بن حرز الله, 2005م, المدخل إلى علم مقاصد الشريعة من الأصول النصية إلى
الإشكاليّات المعاصرة, المملكة العربية السعودية: مكتبة الرشد.
عبد
الكريم زيدان, 1999م, المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, ط 16, بيروت: مؤسسة
الرسالة.
علي
حسب الله. 1976 م. أصول التشريع الإسلامي. ط 5. مصر: دار المعارف.
فتحي
رضوان. 1975 م. من فلسفة التشريع الإسلامي, ط 2. بيروت: دار الكتاب اللبناني.
ابن
عبد السلام. أبو محمد عز الدين بن عبد العزيز, 1980م, قواعد الأحكام في مصالح الأنام, ط2, بيروت: دار
الجيل, مراجعة وتعليق: طه عبد الرؤوف سعد.
ابن
عاشور. محمد الطاهر, 1999م, مقاصد الشريعة الإسلامية, الأردن: دار النفائس, تحقيق:
محمد الطاهر الميساوي.
عز
الدين بن زغيبة, 2001م, مقاصد الشريعة الخاصة بالتصرّفات المالية, دبي: مركز جمعية
الماجد للثقافة والتراث.
عمر
سليمان عبد الله الأشقر, 2005م, المدخل إلى الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي,
الأردن: دار النفائس.
العسقلاني.
أحمد بن عليّ بن حجر, فتح الباري شرح صحيح البخاري, القاهرة: المكتبة السلفية,
ترقيم وتبويب: محمد فؤاد عبد الباقي, إشراف: محب الدين الخطيب, بدون سنة.
الغزالي.
أبو حامد محمد بن محمد, المستصفى في علم الأصول, بيروت: دار إحياء التراث العربي,
ط1, اعتناء: نجوى ضوّ, بدون تاريخ.
ابن فارس. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا,
1999م, مقاييس اللغة, بيروت: دار الجيل, تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون.
قطب
الريسوني, 2007م, التيسير الفقهي؛ مشروعيته وضوابطه وعوائده, بيروت: دار ابن حزم.
القنوجي.
صديق حسن خان, 1992م, فتح البيان في مقاصد القرآن, بيروت: المكتبة العصرية, تقديم
ومراجعة: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري.
ابن
القيم. شمس الدين محمد بن أبي بكر, 1968م, إعلام الموقعين عن رب العالمين, مصر:
مطبعة النهضة الجديدة, مراجعة وتقديم: طه عبد الرؤوف سعد.
ابن
القيم. شمس الدين محمد بن أبي بكر, الروح, المكتبة الشاملة, الإصدار الثاني.
ابن
كثير. أبو الفداء عماد الدين, 2000م, تفسير القرآن العظيم, جيزة: مؤسسة
قرطبة-مكتبة أولاد الشيخ للتراث, تحقيق: مصطفى السيد محمد, ومحمد السيد رشاد,
ومحمد فضل العجماوي, وعلي أحمد عبد الباقي, وحسن عباس قطب.
محمد
أبو زهرة, 1967م, موسوعة الفقه الإسلامي, القاهرة: جمعية الدراسات الإسلامية.
محمد
سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي, 1998م, مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية,
المملكة العربية السعودية: دار الهجرة للنشر والتوزيع.
محمد
فؤاد عبد الباقي, 1997م, اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان, ط3, القاهرة:
دار الحديث, أعدّ فهارسه: أبو حفص سيد بن إبراهيم بن صادق بن عمران.
محمود
أحمد الزين, 2004م, القرآن؛ إعجاز تشريعي متجدد, الإمارات العربية المتحدة: دار
البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث.
محمود
شلتوت, 1997م, الإسلام عقيدة وشريعة, ط17, مصر: دار المعارف.
محمود
محمد بابللي, 1990م, الإنسان وحريته في الإسلام, الرياض: دار الشبل للنشر والتوزيع
والطباعة.
مسلم.
أبو الحسين بن الحجاج القشيري, 2001م, الجامع الصحيح, بيروت: دار الكتب العلمية.
مصطفى
زيد, 1964م, المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي, ط2, دار الفكر
العربي.
النووي.
أبو زكريا يحي بن شرف, 1999م, صحيح مسلم بشرح النووي, القاهرة: دار الفجر للتراث,
مراجعة وتخريج وتعليق: الأستاذ محمد محمد تامر.
النسائي.
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخراساني, 1999م, سنن النسائي بشرح
السيوطي والسندي, القاهرة: دار الحديث, تحقيق: د. مصطفى محمد حسين الذهبي.
الواحدي.
أبو الحسن علي بن أحمد, 1998م, أسباب نزول القرآن, بيروت: دار الكتب العلمية,
تحقيق: كمال بسيوني زغلول.
يوسف
أحمد محمد البدوي, 2000م, مقاصد الشريعة عند ابن تيمية, الأردن: دار النفائس.
يوسف
حامد العالم, 1991م, المقاصد العامة للشريعة الإسلامية, الولايات الأمريكية
المتحدة: المعهد العالي للفكر الإسلامي.
يوسف
القرضاوي, 2001م, مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, ط2, بيروت: مؤسسة الرسالة.
[3] لمعرفة بعض النماذج من اهتمام بعض الصحابة
والتابعين لمقاصد الشريعة, انظر: الدّهلوي, 1: 11-12. أيضًا: البدوي. يوسف أحمد
محمد, مقاصد الشريعة عند ابن تيمية, 2000, ص67.
[4] وقد تتبّع بعض الباحثين تاريخ علم المقاصد
وتطوره من قبل تميّزها فى المؤلّفات الأصولية وبعدها بشيئ من التفصيل والتوسع.
راجع على سبيل المثال: عبد القادر حرز الله, المدخل إلى علم مقاصد الشريعة من
الأصول النصية إلى الإشكاليّات المعاصرة, 2005, ص25 وما بعدها. أحمد الريسوني,
نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي, 1992, ط2, ص25 وما بعدها. واليوبي. محمد سعد بن
أحمد بن مسعود, مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية, 1998, ص47 وما بعدها.
[8] الريسوني, الفكر
المقاصدي, ص33.
[11] راجع الحديث بكماله في: مسلم, كتاب الإيمان, باب
تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله, برقم 97, ص56.
[14] الطبري. محمد بن جرير, جامع البيان عن تأويل آي
القرآن, 2005, 6: 4955. والسعدي. عبد الرحمن بن ناصر, تيسير الكريم الرحمن في
تفسير كلام المنان, 2000, ص436.
[23] الزمخشري. أبو القاسم جار الله محمود بن عمر
الخوارزمي, 1966, الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, 3:
234.
[26] أخرجه الترمذي, راجع: الترمذي. أبو عيسى, 1999,
سنن الترمذي, كتاب البر والصلة, باب ماجاء في التأني والعجلة, رقم 2013, 4: 135.
وقال: حديث غريب.
[36] الشوكاني. محمد بن علي, 1991, فتح القدير الجامع
بين فني الرواية والدراية من علم التفسير, ط5, 5:10. وانظر أيضًا: الزمخشري, 3:
511. والقرطبي, 16: 107.
[45] ابن تيمية, مجموع الفتاوى, 19: 310, انظر أيضًا:
علي حسب الله, ص420-421. ومحمود شلتوت, 1997, الإسلام عقيدة وشريعة, ط17, ص10.
والأشقر, ص14.
[47] انظر: العالم. يوسف حامد, 1991, المقاصد العامة
للشريعة الإسلامية, ص 20-21. ونحوه في: الشوكاني, 10: 5. والأشقر, ص15-16.
[48] قال الغزالي: نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود
الشرع, ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو: أن يحفظ عليهم دينهم, ونفسهم, وعقلهم,
ونسلهم, ومالهم, فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة, وكل ما يفوّت هذه
الأصول فهي مفسدة ودفعها مصلحة. راجع: الغزالي. أبو حامد محمد بن محمد بن محمد, المستصفى
من علم الأصول, 1: 217, بدون سنة.
[49] العز بن عبد السلام. أبو محمد عز الدين عبد
العزيز, 1980, قواعد الأحكام في مصالح الأنام, ط2, 1: 8.
[53] انظر: مصطفى زيد, المصلحة في التشريع الإسلامي
ونجم الدين الطوفي, 1964, ط2, ملحق رسالة الطوفي, ص211-212.
[58] راجع في هذا: العز بن عبد السلام, 1: 8 و22-23. والقرضاوي.
يوسف, 2001, مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, ط2, ص61.
[76] انظر: العز بن عبد السلام, 2: 73. أيضًا: ابن
أبي العز الحنفي. علي بن علي بن محمد, 1391, شرح العقيدة الطحاوية, ص125-126.
والقرضاوي, مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, ص54.
[90] أورده النووي في الأربعين النووية, رقم32, راجع:
ابن رجب الحبلي, 2000, جامع العلوم والحكم, ط2, ص406. وانظر: الألباني, محمد ناصر
الدين, إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, برقم 896, 3: 408 وما بعدها.
وراجع في سبب وروده: ابن حمزة الحسيني, 3: 323.
[94] الترمذي, كتاب النكاح, باب ما جاء في النظر إلى
المخطوبة, برقم 1087, 3: 257, وقال: حديث حسن. والنسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن
شعيب, 1999, سنن النسائي بشرح السيوطي والسندي, كتاب النكاح, باب إباحة النظر قبل
التزويج, برقم 3235, 3: 382-383.
[97] انظر: مسلم, كتاب الجنائز,
باب استئذان النّبىّ -صلى الله عليه وسلم- ربّه عزّ وجلّ فى زيارة قبر أمّه, برقم
976, ص349.
[98] متفق
عليه, واللفظ للبخاري, انظر: محمد فؤاد عبد الباقي, 1997, اللؤلؤ والمرجان فيما
اتفق عليه الشيخان, ط3, كتاب النكاح, رقم 884, 2: 71.
[100] كما في قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً
وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيْمٌ, قُلْ
يُحْيِيْهَا الَّذِيْ أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ, وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ
عَلِيْمٌ) القرآن, يس36: 78-79. وقوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدَى, أَلمَْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىَ, ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً
فَخَلَقَ فَسَوَّى, فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى,
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلىَ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) القرآن, القيامة75:
36-40. وانظر في سبب نزول هذه الآية: الواحدي. أبو الحسن علي بن أحمد, 1998, أسباب
نزول القرآن, ص379.
[111] راجع: ابن خلدون, ص364. ونحوه في: الآلوسي, 6:
18. يقول الشاطبي: "فمعلومات الله لا تتناهى, ومعلومات العبد متناهية,
والمتناهي لايساوي مالا يتناهى". انظر: الشاطبي, الاعتصام, 2: 318, بدون سنة.
[114] انظر: ابن تيمية, مجموع الفتاوى, 5: 10. عزا ابن
كثير هذا القول إلى فخرالدين الرازي محمد بن عمر بن خطيب الري, ناقلاً عن ابن
الأثير في التاريخ عدا المقطع الأول منه. راجع: ابن كثير, البداية والنهاية, 13:
56.
[118] الريسوني, نظرية المقاصد, ص5. ولقّبه إبراهيم
البيوني غانم بأنه "مؤسّس علم المقاصد", راجع: مقاصد الشريعة وقضايا
العصر, ص 147. ويبدو أن تلقيب الشاطبي بشيخ المقاصد ومؤسّس علمه يرجع إلى تميّزه
وتفرّده بمنهج شامل متكامل في الكلام عن موضوع المقاصد. ويمكن الرجوع لمعرفة
مميّزات الشاطبي في هذا الميدان إلى مقدمة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد لكتاب
الموافقات تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان, فقد ذكر فيه عدّة مميّزات الشاطبي في
دراسته للمقاصد مفصلاً.
[119] الريسوني, نظرية المقاصد, ص5. وقد أشار إليه
الدهلوي, حيث قال: كيف ولا تتبين أسراره إلا لمن تمكّن في العلوم الشرعية بأسرها,
واستبدّ في الفنون الإلهية عن آخرها, ولا يصفو مشربه إلاّ لمن شرح الله صدره لعلم
لدنّي..وقال: وأما معرفة المقاصد التي بني عليها الأحكام فعلم دقيق لا يخوض فيه
إلاّ من لطف ذهنه واستقام فهمه. راجع: الدهلوي, 1: 5 و 255.
[121] عز الدين بن زغيبة, 2001, مقاصد الشريعة الخاصة
بالتصرّفات المالية, ص15. وانظر تعليق الشيخ عبد الله دراز عليه: الشاطبي,
الموافقات, في الهامش, 2: 289.
[123] انظر على سبيل المثال: الريسوني, نظرية المقاصد,
ص13, 152, 171, 187 وغيرها. بل الريسوني نفسه ذكر العبارة الأولى التي ذكرها
الدكتور عز الدين, وذلك في معرض تقريره بأن الشاطبي يثبت للشريعة مصالح للعباد.
راجع: ص186.